سورة النحل - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


في جو السماء: الجو: الفضاء ما بين السماء والارض، سكنا: مسكنا. يوم ظعنكم: وقت ترحالكم وتنقلكم وسفركم. الاثاث: فرش البيت. متاعا: ما يتمتع وينتفع به في المتجر والمعاش. ظلالا: ما يستظل به. اكنانا: واحدها كن وهو كل ما يقي الحر كالبيت والكهف وغيره. سرابيل: واحدها سربال وهو القميص أو الثوب. وساربيل الحرب الدروع. البأس: الشدة عند الحرب.
{والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وهذه المنن التي يذكرها ربُّنا يَعْرِ ض فيها مثلاً من حياة البشر تعجِز عنه قُواهم، ويعجز عنه تصوُّرُهم، وهو يقع كل يوم. إن الله تعالى يُخرجكم ايها الناس من بطون أمهاتكم لا تدرِ كون شيئاً مما يحيط بكم، ثم أعطاكم السمعَ والبصرَ والأفئدة. وقد ثبت للباحثين اليومَ أن حاسّة السمع تبدأ مبكرة جدّاً في حياة الطفل في الأسابيع القليلة الأولى، اما البصر فيبدأ في بالشهر الثالث، تركيز الإبصار إلا بعدَ الشهر السادس، وأما الفؤاد وهو الإدراك والتمييز- فلا يتم إلا بعد ذلك. وهكذا فالترتيبُ الذي جاء به القرآن هو ترتيبُ ممارسة الحواس.
وهذه الاجهزة: السمع والبصر والافئدة، في الإنسان من أعجب العجب في تركيبها وعملها وأداء وظيفتها، ومن أكبرِ الأدلة على وجو الخالق القدير، وهي وسائل للعمل والإدراك، لتؤمنوا بالله، وتشكروه على ما تفضل عليكم.
ثم بعد ذلك نبّه عبادَه إلى دليلٍ آخر من آثار القدرة الالهية يراها الناس كلَّ يوم فلا يتدبرونها، فقال: {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
الم ينظر المشركون إلى الطير سابحاتٍ في الهواء، بما زوّدها الله به من أجنحةٍ أوسعَ من جسمِها تبسطها وتقبضها، وسخّر الهواء لها، فما يمسكهن في الجو الا الله بالنظامِ الذي خلَقها عليه، ان في النظر إليها والاعتبار بحمة الله في خلْقها، لدلالةً عظيمة ينتفع بها المؤمنون.
ولقد اخترع الإنسان الطائرة وغيرها مما تطير في الفضاء، وقد انتفع بالطير وآلاته، وانه لَعملٌ جبّار ولكنه لا يزال غير أمين، ولا تزال تحفّ بالراكبين الاخطار، كما جعلوا القسم الاكبر منها للحرب والتدمير.
قراءات:
قرأ ابن عامر وحمزة وخلف ويعقوب: {الم تروا} بالتاء والباقون بالياء.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إلى حِينٍ}.
ومن نِعمه تعالى عليكم أن جعلكم قادرين على إنشاء بيوت لكم تتخذونها مساكن لكم فيها وتطمئّنون فيها بأمنٍ وسلام، وجعل لكم من جلودِ الأنعام بيوتاً تسكنون فيها وتنقلونها بخفّةٍ وسرعة في أسفاركم وتنقّلكم، كما تتخذون من صوفها ووبرها وشعرها فُرُشاص ولباساً تتمتوعون بها في هذه الدنيا إلى حين آجالكم.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}.
ومن نعمه تعالى عليكم ان جعل لكم من الأشجار وغيرِها ظِلالاً تقيكم شرّ الحر والبرد، وجعل لكم من الجبال مواضعَ تسكنون فيها، وجعل لكم ثياباُ تقيكم الحرَّ والبرد، ودروعاً من الحيديد تصونكم من قَسوة الحرب، كما جعل لكم هذه الأشياءَ فهو الآن يتم نعمتَه عليكم بالدِّين القيم، لعلكم تُسلمون، وتُخلصون عبادتكم له دون غيره.
قراءات:
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: {يوم ظعنكم} بفتح العين. والباقون بتسكينها.
وبعد أن عدّد ما أنعم به عليهم من النعم ذكر مايتَّبع معهم إذا أصرّوا على عنادهم فقال: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين}.
فإن أعرضوا وتولوا عنك ايها النبي، فلا تَبِعَةَ عليك في إعراضهم، فما عليك الا التبليغ الواضحُ، وحسْبُك ذلك وعلينا نحن حسابهم.
{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون}.
انهم يعرفون أن هذه النعم كلَّها من الله، ولكنهم ينكرونها بكفرهم وعنادهم، وإن أكثرَهم لجاحدون نعم الله كافرون بها.


الامة: الجيل من الناس. شهيدا: شاهدا. لا يستعتبون: لا يقبل عذرهم. ولا هم ينظرون: لا يؤخرون. فالقوا اليهم القول: يعين ان شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم كذبوهم. السلم: الاستسلام تبيانا: بيانا.
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}.
ويوم القيامة نحشرُ الناسَ ونأتي من كل أمةٍ بشهيدٍ يشهد لها أو عليها بما قابلت رسولها، ويومئذ لا يُسمع من الكافرين أيُّ قول، لا يُقبل لهم اعتدار. وذلك كما قال تعالى: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35-36].
{وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ العذاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.
ويوم القيامة إذا رأى الظالمون عذابَ النار، وطلبوا ان يخفَّف عنهم لا يجابُ طلبُهم، ولا يؤخرون عن دخول جهنم.
ثم اخبر الله عن محاولة المشركين إلقاءَ تبعه أعمالِهم على آلهتهم التي عبدوها وردَّ آلهتهم عليهم فقال: {وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هؤلاءآء شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ}.
واذا رأى الذين أشركوا اآلهتَهم التي عبدوها قالوا: يا ربنا هؤلاء الذين كنا نعبُدهم خطئين، فخفَّف عن العذابَ بإلقاء بعضِه عليهم.
فيجيبهم شركاؤهم قائلين: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}.
فردّوا عليه قولَهم وقالوا إنكم لكاذبون في دعواكم أنّنا شركاء لكم في الإثم، وإنكم لما عبدتمونا، إنما عبدتُم أهواءكم. {وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
واستسلموا إلى الله خاضعين، ولم يجدوا من ينصرهم وخاب ظنهم بمعبوداتهم وما كانوا يفترون على الله الكذب.
{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ}.
ان الذين كفروا ومنعوا غيرهم من الإيمان بالله زدْناهم عذاباً فوق العذاب الذي استحقّوه بالكفر، بسبب ما كانوا يعملون من الفساد وإضلال غيرهم من الناس، فلهُم على ذلك عذابٌ مضاعف.
ثم يخاطب الله رسولَه الكريمَ بهذه الآية المبشرة للمؤمنين.
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً على هؤلاءآء}.
اذكر أيها الرسول يومَ القيامة، يوم يبعُ الله نبيَّ كلِ أمةٍ شاهداً عليهم، ونجيء بك شاهدهاً على هؤلاء الذين كذّبوك.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ}.
ولقد أنزلْنا عليك القرآن يبيّن للناس كلّ شيءٍ من الحق وما يحتاجون اليه، وفيه الهدايةُ والرحمة والبشرى للذين أسلموا وآمنوا بك وصدقوك.


العدل: الانصاف، والاستقامة واعطاء كل ذي حق حقه. العهد: كل ما يتلزمه الإنسان باختياره. ولا تنقضوا الايمان: لا تخنثوا بها. كفيلا: ضامنا. انكاثا: واحدها نكث، بمعنى منكوث، منقوض. دخلا بينكم: مكرا وخديعة: اربى: أكثر.
{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
ان الله يأمر عبادَه بالعدل في اقوالهم وأفعالهم، والإحسان إلى الناس والتفضُّل عليهم ومساعدتهم، ويأمر بصِلَة الأقارب والأرحام وإعطائهم ما يحتاجون اليه لدعم روابط المحبة بين الأُسَر، وينهى عن إتيان الفواحش والغلو في تحصيل الشهوات، كما ينهى عن الظلم والاعتداء على الغير.. واللهُ سبحانه يذكّركم بهذا ايها الناس ويوجّهكم إلى الخير لعلكم تتذكرون فضله.
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي انه قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال لي: صف العدل، فقلت بخٍ، سألتَ عن أمرٍ جسيم، كمن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، وللمِثْل أخاً، وللنساءِ كذلك، وعاقبِ الناس قدْر ذنوبهم، ولا تضرِبنّ لغضبك سوطا واحداً فتكون من العنادين.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجمعُ آية في كتاب الله للخير والبعد عن الشر قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان....}.
رواه البخاري وابن جرير وابن المنذر.
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}.
أوفوا أيها المؤمنون بالعهود التي تعطُونها على انفسكم، ولا تنقضوا الأيمان بالحنْثِ فيها بعدٍ عقدِها، وقد جعلتم الله كفيلاً عليكم بالأيمان التي حلفتموها، ان الله رقيبٌ ومطلع عليكم، فكونوا عند عهودكم وأيمانكم.
{وَلاَ تَكُونُواْ كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}.
لقد شدّد الإسلام على الوفاء بالعهود، ولم يتسامح فيها ابدا، لأنها قاعدةُ الثقة التي ينفرط بدونها عقدُ الجماعة، ولذلك أكد هنا بضربِ هذا المثل، بالمرأة الحمقاء التي تفتِلُ غَزْلَها ثم تنقضُه من بعد أن يكون قد اكتمل، منتخذين أيمانكم وسيلةً للمكرِ والخداع، وتنوون الغدر بمن عاقدتم، لأنكم اكثرُ وأقوى منهم.
{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
انما يختبركم الله، فإن آثرتُم الوفاءَ كان لكم الغُنم في الدنيا والآخرة، وان اتجهتم إلى الغدر كان الخسران، وليبيّنَ لكم يوم القيامة حقيقة ما كنتم تختلفون عليه في الدنيا، ويجازيكم حسب أعمالكم.
وهاتان الآيتان تدلان على أساس العلاقات بين المسلمين وغيرهم، مع العدالة والوفاء بالعهد وان العلاقات الدولية لا تنظَّم الا بالوفاء بالعهود، وان الدول الاسلامية إذا عقدت عهداً فإنما تعقده باسم الله فهو يتضمن يمين الله وكفالته، وفيهما ثلاثة معان لو نفَّذتها الدولُ لساد السلم العالم.
اولها: انه لا يصح ان تكون المعاهدات سبيلاً للخديعة وإلا كانت غشّاً، والغش غير جائز في الإسلام في العلاقات الانسانية سواء كانت بين الافراد أو الجماعات والدول.
ثانيها: إن الوفاء بالهد قوةٌ في ذاته، وان من ينقض عهده يكون كمن نقض ما يناه من اسباب القوة، مثلَ تلك الحمقاء التي نقضت غَزْلها بعد أن أحكمته.
ثالثها: انه لا يصح ان يكون الباعث على نكث العهد الرغبة في القوة أو الزيادة في رقعة الأرض أو نحو ذلك، كما تفعل اسرائيل، وكانت من ورائها بريطانيا، واليوم امريكا.
هذه المبادئ لم تكن معمولاً بها قبل الاسلام، وقد رأينا دولاً عظمى لم تفِ بالعهد وكذبت في عهودها فبدّد الله شملَها وعادت من الدول الفقيرة الحقيرة.
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولكن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
ولو شاء الله لجعل الناس على دين واحد، ولكنه خلقهم متفاوتين بالاستعداد، وجعل نواميس للهدى والضلال، وشاء ان تختلفوا في الأجناس والالوان، ولكّلٍ اختيارٌ أُوتيه بحسب استعداده، وكلٌّ مسئول عما يعمل، فلا يكون الاختلاف في العقيدة سببا في نقض العهود. وهذه قمة في صدق التعامل والسماحة الدينية، لم يحققها في واقع الحياة الا الاسلام.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9